(( مرحباً بك في عالم الأموات ))
ترددت هذه الكلمات في ذهني المنهك..بعد ان افقت من حالة فقدان الوعي التام
نظرت من حولي.. اذا بي في أرض واسعة..ولم اجد سوى شجرة باهتة.. لم تذق طعم الماء منذ فترة طويلة.
كان الجو غريباً، غيوم صفراء، صفير الرياح، ولم يكن هناك احد سواي انا والشجرة.
تحركت الغيوم بطريقة تدريجية غريبة.. لتتكاثف بشكل حلزوني.. حيث اصبح شكلها مثل دوامة عظيمة.
والرياح تزداد قوة، والأرض تهتز بعنف، والسماء ترتجف.. فتشكلت الغيوم على هيئة وجه امرأة حزينة..
ولم تمض دقائق.. حتى انهمرت الأمطار من عينيها..
ولأول مرة.. احسست فعلاً بأن الأمطار شبيهة بالدموع.. فهي ليست بدماء.. ولا شيء غريب آخر..
تردد صوت تأوّه في السماء.. فأنشقت الأرض عن أشجار تنمو بسرعة..
عليها رؤوس شبه بشرية..مع تكاثر الأشجار.. نظرت الى الخلف فاذا بالشجرة الباهتة
نمت وكبرت.. حتى أصبحت عملاقة.. لم يتغير فيها شيء سوى حجمها.. وصوت يخرج منها..
ومن بقية الأشجار.. كلمة تلفظها الرؤوس .. " لماذا" ؟
ركضت بأقصى طاقتي.. هرباً من ذلك المنظر المفزع.. بلا هدى في هذه الأرض الواسعة..
توقف المطر بشكل مفاجيء.. وعم الهدوء ارجاء الأرض..
ولكن.. خيّم الليل بسرعة.. وكأنه يحاول اخفاء شيء ما.. في هذا النهار..
لم اعد ارى شيئاً.. ظلام دامس بالفعل.. وبرقت السماء..
لتكشف عن عين كبيرة.. ترقبني وسط الظلام.. وكلما برقت السماء..ظهرت تلك العين..
بدأ الظلام ينقشع.. فأشرقت الشمس وعادت الأرض.. كما هي.. نفس الشجرة الباهتة..
والأرض الجافة المتشققة.. وكأن شيئاً.. لمن يكن.
كان كل شيء كما هو عندما نظرت الى الأرض.. عدا شيء واحد.. شيء لم يكن هناك من قبل..
في البداية.. ظننت بأنه شبح رجل يصلي باتجاه الغرب.. والشمس من وراءه..ومن ثم اختفى..!
وصلت الى حيث كان يصلي.. ولم اجد شيئاً.. أمضيت في طريقي..
وبينما كنت احاول ازالة بعض الأشواك التي علقت في قدمي..
سمعت صوت ينادي.. بإسمي.. رفعت رأسي.. وكانت المفاجأة..!
هاهي الفتاة.. تعود من جديد.. نظرت اليها .. فتملكني شعور رهيب..
رغبة شديدة بالبكاء.. فنطقت وقالت بصوت يغلبه الحنان :
".. عزيزي كم انا مشتاقة اليك.. واخيراً.. لقد انتظرت طويلاً.. ولكني لم افقد الأمل بقدومك..
كم افتقدتك يا نصفي الضائع.. كم هي قاسية تلك الحياة..اقتربت مني وأمسكت بيدي فقلت بصوت متهدج:
".. اني آسف.. لقد وعدتك بأني لن اتركك ابداً.. ولكن فرق الموت بيننا.. لو لم اتغيب عنك في ذلك ال..
وضعت اصبعها على فمي.. وهي تطلب مني الصمت.. وقالت : لا تلم نفسك.. ارجوك.. كل شيء كان مقدّر..
ليس بيدي او بيدك القرار.
فأخترق ذلك الصوت الغريب ذهني مجدداً قائلاً :
"..هل كانت النهاية فعلاً.. بلا اخطاء ..؟ "
سؤال غريب.. فعلاً.. ياترى.. مالذي يقصده..؟
عاد الصوت مجدداً.. بسؤال مختصر :
".. أتريد معرفة الحقيقة..؟"
أي حقيقة.. تقصد.. ؟
"..ماحدث في ذلك اليوم.. لا يجب ابداً.. ان يختفي تحت غطاء القدر.."
اقتربت الفتاة مني.. وطوقتني واخذت تبكي.. وتلوم حظها التعيس..
".. تلك الدموع .. تخفي كل شيء.. هل تريد الإستسلام لها ..؟ "
قلت في نفسي : .. اخبرني.. مالذي حدث.. ارجوك.
فأجاب الصوت :
".. حسناً.."
ولازالت الفتاة تطوقني.. فرمت برأسها على كتفي.. وانا أنظر الى المشهد من خلفها..
حيث تشكلت لوحة من العدم.. تظهر صور متتابعة.. لمشاهد مختلفة..
".. الصورة الأولى.."
اطار سيارتي ينفجر.. في ليلة ممطرة..وانا عائد الى المنزل..
وفقدت السيطرة عليها.. فارتطمت بجدار منزل قديم..
بعد عناء كبير.. نزلت من السيارة.. وحاولت الإتصال بأحد لطلب المساعدة..
ولكن الإرسال كان ضعيفاً للغاية.. ولم تمض دقائق حتى توقف احد الأشخاص لمساعدتي..
وبدأت الصورة تتلاشى.. لتحل مكانها صورة جديدة.
"..الصورة الثانية.."
في ذلك القصر الجميل.. جلست تلك الفتاة..تنظر الى المرآة بجمود..
والى جانبها مظروف فارغ..ومقص صغير.. وورقة كتبت عليها الرسالة..
وقد بدا على وجهها.. الإعياء من كثرة البكاء..فقامت وهي تتحسس بطنها..
وأمسكت بصورة لي.. فرمقتها بنظرة قلقة.. ويدها ترتجف بشدة..
القت الصورة
فأحرقت الرسالة.. والمظروف....و خرجت من الغرفة..والدموع تتطاير من عينيها.. مجدداً.
".. الصورة الثالثة.."
بعد ان اخذت حقيبتي من السيارة.. وأقلني احد الأشخاص الى منزلي..
وصلت لأرى ذلك المشهد.. الذي لم يمسح من ذاكرتي..
الدور العلوي بأكمله يحترق.. وبوابة القصر ازدحمت بقوات الدفاع المدني.. والشرطة.. وسكان الحي..
هرعت الى الداخل بعد ان القيت حقيبتي في الطريق..فحاولت الصعود الى الدور العلوي..ولكن
احد رجال المطافيء.. منعني من الصعود.. بحجة اني سأعيق عملية الإطفاء والإنقاذ.
توقفت اللوحة عن عرض الصور..
فقلت في نفسي :
"..الرسالة.. الرسالة ايها الصوت .. ماذا كانت تحوي ؟!.."
فأجابني :
".. كل شيء.."
كل شيء.. ماذا تقصد بكل شيء.. ارجوك اخبرني ؟!
فقال الصوت :
".. احتضنها جيداً.."
فعلت ذلك.. وقلت :
".. والآن.. ؟"
قال بعد فترة صمت قصيرة :
"..تلك الغرفة.. دخلها رجل غيرك.. مرات عديدة.."
لا اعلم.. لماذا رسمت تلك الإبتسامة.. ولكن اخبرت الصوت في نفسي.. بنبرة ساخرة :
".. هل هذه هي حقيقتك المزعومة..؟، لقد كنت اعلم هذا الشيء.."
فأجابني الصوت :
".. لا ليست هذه هي الحقيقة التي اخبرتك عنها..، ربما اعتقدت انت بأن وفاتها عقوبة مناسبة لها..
ولكنك لم تظهر هذا لأي احد.. بل أقنعت نفسك مراراً بأنها بريئة.. على الرغم من انك تعلم ماذا فعلت.
لكن.. هل كنت تعلم.. بأنها كانت تحمل ابنك..؟
كانت وقعة كلمة " ابنك " .. قوية جداً علي.. فاتسعت عيناي من الصدمة والغضب..
وارتجفت وانا لا اعلم ماذا أقول..
فأكمل الصوت :
"..ليست زانية فحسب.. بل قاتلة ابنك ايضاً.."
وأكمل :
"..ادخل يدك في جيبك الأيسر..ستجد المقص الصغير الذي فتحت به اول رسالة غرام بينها وبين عشيقها.."
بحثت في جيبي..ووجدت المقص..أخرجته..ولم انتظر شيء من الصوت..
فالنهاية هنا.. وكل شيء اتضح أخيراً..
تحسست شعرها من الخلف..ورفعته بيدي اليمنى ليكشف عن رقبتها من الخلف..
فضربت رقبتها..وأخذت اطعنها بشكل جنوني.. وهي تصرخ من الألم..
وتلطخت يداي بالدماء والأرض من حولي..والقيت بها على الأرض..
ووطئت بقدمي على رأسها بقوة.. الى ان غاص في التراب..
وأطلقت صرخة دوت في أنحاء الأرض الخاوية.. وسقطت على ركبتي.. وانا ابكي بكل اسى وتعاسة..
وهبت عاصفة تحمل أوراق اشجار ميتة.. وكأنها تواسيني..
وبعد قليل.. هدأ كل شيء.. وسمعت صوت خطوات تقترب من بعيد..
رفعت رأسي.. فإذا بذلك المخلوق الأحمر الغريب.. الذي رأيته في منزل عمي..
يمشي على حافريه..ممسكاً بنفس الكتاب.. وهو يقترب مني..
فنظر الي..مبتسماً.. فأمسكت بالمقص وقلت بنبرة متوترة :
".. من أنت.. وماذا تريد ؟ .."
لم ينطق.. ولكنه أجاب..
انه هو .. هو الصوت !
لم اصدق ما أرى.. ولم أصدق ما اسمع..
فقال الصوت :
"..انا..؟"
فأشار ذلك المخلوق الغريب الى نفسه..
وقلت له وقد نفذ صبري :
".. نعم .. أنت.. ومالذي تفعله بداخلي.. اخرج.."
لم يعر كلامي اي اهتمام..ونظر الى الكتاب وقرأ
".. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.."
وبدأت تتشكل حوله هالة من النيران السوداء.. مشتعلة فيه بشكل تدريجي..مطلقاً ضحكة جهنمية..!
واختفى هو والصوت ..
فتشكلت المرآة من جديد.. وعرضت الصورة الأخيرة..
كانت الفتاة تعد طاولة الطعام..وتزينها بالشموع..وهي تترقب الساعة بقلق على زوجها المتأخر..
ونزلت الى الدور السفلي.. لتلقي نظرة على الطعام..وعادت الى الدور العلوي..لتطمئن مرة أخرى على مكان الطاولة التي احضرتها خصيصاً
لهذا المناسبة.. بعد غياب زوجها اسبوعين كاملين..في رحلة عمل..، فحاولت عبثاً الإتصال على زوجها..
ولكنها ترددت.. فخشيت ان يرد عليها في هذه العاصفة الممطرة ، وتضربه صاعقة.. وهي تعرف مدى اهماله لأهمية هذا الأمر..
فوضعت هاتفها على الطاولة.. وذهبت الى الغرفة..، بعد دقائق..اهتز هاتفها المتنقل.. معلناً عن وصول مكالمة جديدة..
ومع اصرار المتصل.. اخذ الهاتف يدور مكانه.. الى ان ارتطم بالشمعة.. التي سقطت بدورها على طرف الطاولة..
القريبة من الستار المتهدل على النافذة.. فأشتعلت النيران في الستار..وخرجت الفتاة من الغرفة.. وحاولت انقاذ مايمكن انقاذه..
ولكنها تأخرت.. كثيراً.
انهمرت الدموع بلا توقف..من عيناي.. لا أكاد اصدق..الآن.. مالذي حدث..
مستحيل.. آآآه مالذي فعلته.. فأخرجت رأسها من التراب.. واحتضنت جسدها..ولم يجرؤ لساني على الكلام..
فبكيت بحرقة.. على مافعلته..واخذت اتحدث اليها متجاهلاً كل شيء..كما كنت افعل من قبل..فلم اكن اريد مفارقتها..
حتى لو كانت صنع من الخيال.. او أسوأ من ذلك.. بأن تكون ميتة..
سأقبل بهذا الحال الى الأبد.. سأظل احتضنها.. الى ان يحولنا الزمان تماثيل..سنذرف الدمع سوية.. يا قلبي..
سنعيش هنا في هذا الحلم.. ونجعله أفضل من الحياة نفسها..نعيش حلمنا الأبدي.. تحت أوراق الخريف.
انتهى
ترددت هذه الكلمات في ذهني المنهك..بعد ان افقت من حالة فقدان الوعي التام
نظرت من حولي.. اذا بي في أرض واسعة..ولم اجد سوى شجرة باهتة.. لم تذق طعم الماء منذ فترة طويلة.
كان الجو غريباً، غيوم صفراء، صفير الرياح، ولم يكن هناك احد سواي انا والشجرة.
تحركت الغيوم بطريقة تدريجية غريبة.. لتتكاثف بشكل حلزوني.. حيث اصبح شكلها مثل دوامة عظيمة.
والرياح تزداد قوة، والأرض تهتز بعنف، والسماء ترتجف.. فتشكلت الغيوم على هيئة وجه امرأة حزينة..
ولم تمض دقائق.. حتى انهمرت الأمطار من عينيها..
ولأول مرة.. احسست فعلاً بأن الأمطار شبيهة بالدموع.. فهي ليست بدماء.. ولا شيء غريب آخر..
تردد صوت تأوّه في السماء.. فأنشقت الأرض عن أشجار تنمو بسرعة..
عليها رؤوس شبه بشرية..مع تكاثر الأشجار.. نظرت الى الخلف فاذا بالشجرة الباهتة
نمت وكبرت.. حتى أصبحت عملاقة.. لم يتغير فيها شيء سوى حجمها.. وصوت يخرج منها..
ومن بقية الأشجار.. كلمة تلفظها الرؤوس .. " لماذا" ؟
ركضت بأقصى طاقتي.. هرباً من ذلك المنظر المفزع.. بلا هدى في هذه الأرض الواسعة..
توقف المطر بشكل مفاجيء.. وعم الهدوء ارجاء الأرض..
ولكن.. خيّم الليل بسرعة.. وكأنه يحاول اخفاء شيء ما.. في هذا النهار..
لم اعد ارى شيئاً.. ظلام دامس بالفعل.. وبرقت السماء..
لتكشف عن عين كبيرة.. ترقبني وسط الظلام.. وكلما برقت السماء..ظهرت تلك العين..
بدأ الظلام ينقشع.. فأشرقت الشمس وعادت الأرض.. كما هي.. نفس الشجرة الباهتة..
والأرض الجافة المتشققة.. وكأن شيئاً.. لمن يكن.
كان كل شيء كما هو عندما نظرت الى الأرض.. عدا شيء واحد.. شيء لم يكن هناك من قبل..
في البداية.. ظننت بأنه شبح رجل يصلي باتجاه الغرب.. والشمس من وراءه..ومن ثم اختفى..!
وصلت الى حيث كان يصلي.. ولم اجد شيئاً.. أمضيت في طريقي..
وبينما كنت احاول ازالة بعض الأشواك التي علقت في قدمي..
سمعت صوت ينادي.. بإسمي.. رفعت رأسي.. وكانت المفاجأة..!
هاهي الفتاة.. تعود من جديد.. نظرت اليها .. فتملكني شعور رهيب..
رغبة شديدة بالبكاء.. فنطقت وقالت بصوت يغلبه الحنان :
".. عزيزي كم انا مشتاقة اليك.. واخيراً.. لقد انتظرت طويلاً.. ولكني لم افقد الأمل بقدومك..
كم افتقدتك يا نصفي الضائع.. كم هي قاسية تلك الحياة..اقتربت مني وأمسكت بيدي فقلت بصوت متهدج:
".. اني آسف.. لقد وعدتك بأني لن اتركك ابداً.. ولكن فرق الموت بيننا.. لو لم اتغيب عنك في ذلك ال..
وضعت اصبعها على فمي.. وهي تطلب مني الصمت.. وقالت : لا تلم نفسك.. ارجوك.. كل شيء كان مقدّر..
ليس بيدي او بيدك القرار.
فأخترق ذلك الصوت الغريب ذهني مجدداً قائلاً :
"..هل كانت النهاية فعلاً.. بلا اخطاء ..؟ "
سؤال غريب.. فعلاً.. ياترى.. مالذي يقصده..؟
عاد الصوت مجدداً.. بسؤال مختصر :
".. أتريد معرفة الحقيقة..؟"
أي حقيقة.. تقصد.. ؟
"..ماحدث في ذلك اليوم.. لا يجب ابداً.. ان يختفي تحت غطاء القدر.."
اقتربت الفتاة مني.. وطوقتني واخذت تبكي.. وتلوم حظها التعيس..
".. تلك الدموع .. تخفي كل شيء.. هل تريد الإستسلام لها ..؟ "
قلت في نفسي : .. اخبرني.. مالذي حدث.. ارجوك.
فأجاب الصوت :
".. حسناً.."
ولازالت الفتاة تطوقني.. فرمت برأسها على كتفي.. وانا أنظر الى المشهد من خلفها..
حيث تشكلت لوحة من العدم.. تظهر صور متتابعة.. لمشاهد مختلفة..
".. الصورة الأولى.."
اطار سيارتي ينفجر.. في ليلة ممطرة..وانا عائد الى المنزل..
وفقدت السيطرة عليها.. فارتطمت بجدار منزل قديم..
بعد عناء كبير.. نزلت من السيارة.. وحاولت الإتصال بأحد لطلب المساعدة..
ولكن الإرسال كان ضعيفاً للغاية.. ولم تمض دقائق حتى توقف احد الأشخاص لمساعدتي..
وبدأت الصورة تتلاشى.. لتحل مكانها صورة جديدة.
"..الصورة الثانية.."
في ذلك القصر الجميل.. جلست تلك الفتاة..تنظر الى المرآة بجمود..
والى جانبها مظروف فارغ..ومقص صغير.. وورقة كتبت عليها الرسالة..
وقد بدا على وجهها.. الإعياء من كثرة البكاء..فقامت وهي تتحسس بطنها..
وأمسكت بصورة لي.. فرمقتها بنظرة قلقة.. ويدها ترتجف بشدة..
القت الصورة
فأحرقت الرسالة.. والمظروف....و خرجت من الغرفة..والدموع تتطاير من عينيها.. مجدداً.
".. الصورة الثالثة.."
بعد ان اخذت حقيبتي من السيارة.. وأقلني احد الأشخاص الى منزلي..
وصلت لأرى ذلك المشهد.. الذي لم يمسح من ذاكرتي..
الدور العلوي بأكمله يحترق.. وبوابة القصر ازدحمت بقوات الدفاع المدني.. والشرطة.. وسكان الحي..
هرعت الى الداخل بعد ان القيت حقيبتي في الطريق..فحاولت الصعود الى الدور العلوي..ولكن
احد رجال المطافيء.. منعني من الصعود.. بحجة اني سأعيق عملية الإطفاء والإنقاذ.
توقفت اللوحة عن عرض الصور..
فقلت في نفسي :
"..الرسالة.. الرسالة ايها الصوت .. ماذا كانت تحوي ؟!.."
فأجابني :
".. كل شيء.."
كل شيء.. ماذا تقصد بكل شيء.. ارجوك اخبرني ؟!
فقال الصوت :
".. احتضنها جيداً.."
فعلت ذلك.. وقلت :
".. والآن.. ؟"
قال بعد فترة صمت قصيرة :
"..تلك الغرفة.. دخلها رجل غيرك.. مرات عديدة.."
لا اعلم.. لماذا رسمت تلك الإبتسامة.. ولكن اخبرت الصوت في نفسي.. بنبرة ساخرة :
".. هل هذه هي حقيقتك المزعومة..؟، لقد كنت اعلم هذا الشيء.."
فأجابني الصوت :
".. لا ليست هذه هي الحقيقة التي اخبرتك عنها..، ربما اعتقدت انت بأن وفاتها عقوبة مناسبة لها..
ولكنك لم تظهر هذا لأي احد.. بل أقنعت نفسك مراراً بأنها بريئة.. على الرغم من انك تعلم ماذا فعلت.
لكن.. هل كنت تعلم.. بأنها كانت تحمل ابنك..؟
كانت وقعة كلمة " ابنك " .. قوية جداً علي.. فاتسعت عيناي من الصدمة والغضب..
وارتجفت وانا لا اعلم ماذا أقول..
فأكمل الصوت :
"..ليست زانية فحسب.. بل قاتلة ابنك ايضاً.."
وأكمل :
"..ادخل يدك في جيبك الأيسر..ستجد المقص الصغير الذي فتحت به اول رسالة غرام بينها وبين عشيقها.."
بحثت في جيبي..ووجدت المقص..أخرجته..ولم انتظر شيء من الصوت..
فالنهاية هنا.. وكل شيء اتضح أخيراً..
تحسست شعرها من الخلف..ورفعته بيدي اليمنى ليكشف عن رقبتها من الخلف..
فضربت رقبتها..وأخذت اطعنها بشكل جنوني.. وهي تصرخ من الألم..
وتلطخت يداي بالدماء والأرض من حولي..والقيت بها على الأرض..
ووطئت بقدمي على رأسها بقوة.. الى ان غاص في التراب..
وأطلقت صرخة دوت في أنحاء الأرض الخاوية.. وسقطت على ركبتي.. وانا ابكي بكل اسى وتعاسة..
وهبت عاصفة تحمل أوراق اشجار ميتة.. وكأنها تواسيني..
وبعد قليل.. هدأ كل شيء.. وسمعت صوت خطوات تقترب من بعيد..
رفعت رأسي.. فإذا بذلك المخلوق الأحمر الغريب.. الذي رأيته في منزل عمي..
يمشي على حافريه..ممسكاً بنفس الكتاب.. وهو يقترب مني..
فنظر الي..مبتسماً.. فأمسكت بالمقص وقلت بنبرة متوترة :
".. من أنت.. وماذا تريد ؟ .."
لم ينطق.. ولكنه أجاب..
انه هو .. هو الصوت !
لم اصدق ما أرى.. ولم أصدق ما اسمع..
فقال الصوت :
"..انا..؟"
فأشار ذلك المخلوق الغريب الى نفسه..
وقلت له وقد نفذ صبري :
".. نعم .. أنت.. ومالذي تفعله بداخلي.. اخرج.."
لم يعر كلامي اي اهتمام..ونظر الى الكتاب وقرأ
".. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.."
وبدأت تتشكل حوله هالة من النيران السوداء.. مشتعلة فيه بشكل تدريجي..مطلقاً ضحكة جهنمية..!
واختفى هو والصوت ..
فتشكلت المرآة من جديد.. وعرضت الصورة الأخيرة..
كانت الفتاة تعد طاولة الطعام..وتزينها بالشموع..وهي تترقب الساعة بقلق على زوجها المتأخر..
ونزلت الى الدور السفلي.. لتلقي نظرة على الطعام..وعادت الى الدور العلوي..لتطمئن مرة أخرى على مكان الطاولة التي احضرتها خصيصاً
لهذا المناسبة.. بعد غياب زوجها اسبوعين كاملين..في رحلة عمل..، فحاولت عبثاً الإتصال على زوجها..
ولكنها ترددت.. فخشيت ان يرد عليها في هذه العاصفة الممطرة ، وتضربه صاعقة.. وهي تعرف مدى اهماله لأهمية هذا الأمر..
فوضعت هاتفها على الطاولة.. وذهبت الى الغرفة..، بعد دقائق..اهتز هاتفها المتنقل.. معلناً عن وصول مكالمة جديدة..
ومع اصرار المتصل.. اخذ الهاتف يدور مكانه.. الى ان ارتطم بالشمعة.. التي سقطت بدورها على طرف الطاولة..
القريبة من الستار المتهدل على النافذة.. فأشتعلت النيران في الستار..وخرجت الفتاة من الغرفة.. وحاولت انقاذ مايمكن انقاذه..
ولكنها تأخرت.. كثيراً.
انهمرت الدموع بلا توقف..من عيناي.. لا أكاد اصدق..الآن.. مالذي حدث..
مستحيل.. آآآه مالذي فعلته.. فأخرجت رأسها من التراب.. واحتضنت جسدها..ولم يجرؤ لساني على الكلام..
فبكيت بحرقة.. على مافعلته..واخذت اتحدث اليها متجاهلاً كل شيء..كما كنت افعل من قبل..فلم اكن اريد مفارقتها..
حتى لو كانت صنع من الخيال.. او أسوأ من ذلك.. بأن تكون ميتة..
سأقبل بهذا الحال الى الأبد.. سأظل احتضنها.. الى ان يحولنا الزمان تماثيل..سنذرف الدمع سوية.. يا قلبي..
سنعيش هنا في هذا الحلم.. ونجعله أفضل من الحياة نفسها..نعيش حلمنا الأبدي.. تحت أوراق الخريف.
انتهى
الجمعة أكتوبر 16, 2009 3:14 pm من طرف romeo 1
» قصص مضحكة لا تنسى
الأربعاء أبريل 15, 2009 8:49 am من طرف romeo
» قصص مضحكة
الأربعاء أبريل 15, 2009 8:48 am من طرف romeo
» قصة المراة والفقيه
السبت أبريل 11, 2009 8:40 am من طرف romeo
» قصة الشكاك
السبت أبريل 11, 2009 8:39 am من طرف romeo
» قصة العاطس الساهي
السبت أبريل 11, 2009 8:38 am من طرف romeo
» قصة المراة الحكيمة
السبت أبريل 11, 2009 8:37 am من طرف romeo
» قصة المال الضائع
السبت أبريل 11, 2009 8:36 am من طرف romeo
» قصة الدرهم الواحد
السبت أبريل 11, 2009 8:35 am من طرف romeo